jeudi 16 avril 2015

مسارات تشكل التعديل الذاتي في الصحافة المكتوبة


منجي الخضراوي

يمكننا أن نعتبر أنّ الإعلام في تونس، كان متصلا أكثر بالسلطة السياسية، منفصلا عن الحراك الاجتماعي، مُساهما رئيسيا في احتكار الفضاء العمومي لفائدة السلطة السياسية التي لم تكن لتقبل بالتنوّع، وهو ما أدّى إلى محاولات الصحفيين إيجاد آليات ضغط ومناورة من أجل خلق هوامش للتعبير، وكانت تتمّ أساسا عبر هياكلهم المهنية مثل النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين التي ورثت جمعية الصحفيين التونسيين. 
بعد سقوط النظام السياسي يوم 14 جانفي 2011 كان الاندفاع الأول للناشطين في الإعلام وخاصة الصحفيين هو توسيع مجال حرية التعبير والصحافة، وبَرزت الرغبة في التأسيس لإعلام جديد، يقطع مع إعلام الماضي، ويصل حدّ محاسبة رموزه والفاعليين الأساسيين فيه من خلال طرح المحاسبة عبر القائمة السوداء. 
كانت النقاشات متمركزة حول إصلاح الإعلام، والتأسيس لإعلام آخر يختلف عما كان عليه قبل الثورة يرتكز على الحرية والاستقلالية والموضوعية والشفافية، وتوصلت تلك النقاشات إلى ضرورة تنظيم الإعلام وإخراجه من حالة التبعية التي كان عليها،  وظهرت مقاربتان، حول قضيّة الإصلاح: 
الأولى تقول بالأساس القانوني للإصلاح، من خلال اعتماد هيئة تنظيمية قانونية لها آليات رقابة ومحاسبة وهي آلية إلزامية. 
الثانية تقول بأسس أخلاقيات المهنة باعتماد ميثاق أخلاقي لتنظيم الممارسة الصحفية وحماية الحرية من إمكانيات اللاّتنظّم وبالتالي الاعتداء على الجمهور المتلقّي. 
المقاربتان، تطرحان الإعلام المنتظم كبديل عن الإعلام التابع، وقد تم إحداثهياكل لإصلاح الإعلام، سواء من خلال اللجنة التي تم إحداثها صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي، أو من خلال الهيئة الوطنية لإصلاحالإعلام والاتصال، وتمّ بذلك بلوغ مرحلة مهمة من فك الارتباط بالسلطة السياسية، وقد تمّ سنّ مرسوم متعلّق بحرية الصحافة والطباعة والنشر تحت عدد 115 لسنة 2011 والمرسوم عدد 116 لسنة 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداثهيئة عليا مستقلّة للاتصال السمعي والبصري. 
وتم بذلك اختزال عملية الإصلاح في الجانب القانوني التشريعي، دون طرق القضايا والإشكاليات المتعلّقة بالأسس الاقتصادية والهيكلية والاجتماعية والمهنية المرتبطة بالصحفي وبالمؤسسة الصحفية. 
ورغم اختزال عملية الإصلاح في المنظومة التشريعية، إلا أنّ عملية التنظيم التي يقتضيها تشكيل الإعلام الجديد لم تَطرح في المرسومين مصطلح التنظيم الذاتي في حين تحدّثت عن المنظومة التعديلية في مجال الاتصال السمعي والبصري من خلال المرسوم عدد 116، 
قضيّة إيجاد هيئة لتنظيم القطاع والعمل على تعديل الإعلام السمعي البصري مع إحداث هيكل للتنظيم الذاتي بالنسبة إلى الصحافة المكتوبة والالكترونية، ليست من المواضيع التي ناقشها الصحفيون والفاعلون الإعلاميون، ولا نعثر في لوائح مؤتمرات الهياكل المهنية على مطلب متعلق بالهيئات التنظيمية، وحتّى التجارب الدولية في هذا المجال لم تكن مطروحة كنموذج يمكن إتباعه. 
واكتفت تجارب التعديل الذاتي في البداية في تجربة مجالس التحرير مثل تجربة وكالة تونس إفريقيا للأنباء وتجربة دار الصباح وتجربة دار لابريس، ولكنها ظلّت محدودة لأسباب ذاتية مثل تمثّل الفاعلين لعملية التنظيم الذاتي والاستقطاب الكبيرة بين الصحفيين أنفسهم... وأخرى موضوعية، مثل عدم قبول الكثير من الإدارات لفكرة التنظيم الذاتي لاعتقادها أنّ تلك المجالس يمكن أن تقتحم مجال سلطتها. 
مؤسسة التلفزة التونسية أعلنت في 30 ماي 2012 عن مشروع مدوّنة السياسة التحريرية، ثم في 18 نوفمبر 2013 أعلنت الاذاعة الخاصة موزاييك أف أم عن ميثاقها التحريري وأعلنت عن وسيط بين الصحفيين والإذاعة من جهة والجمهور من جهة أخرىكما أعلنت وكالة تونس إفريقيا للأنباء بتاريخ 26 مارس 2014 عن ميثاقها التحريري. 
ويمكن اعتبار تلك المحاولات رغم عدم استقرارها، لَبنة من لبنات التأسيس لإعلاممنظّم، إلى أنّ تمّ فعليا إحداث الهيئة العليا المستقلّة للاتصال السمعي والبصري (الهايكا) في 3 ماي 2013 ، رغم أنّ المرسوم عدد 116 أحدثها قانونا في نوفمبر 2011، وقد تعطّل بعث الهيئة على مدى أكثر من سنة ونصف السنة، ويمكن إرجاعذلك إلى عدّة عوامل لعلّ أبرزها العوامل السياسية  اذ كانت حكومة ترويكا ترفض اعتماد المرسومين 115 و116 وبالتالي ترفض بعث هيئة تنظيمية للإعلام السمعي والبصري، كما يمكن إرجاع تعطيل إحداث الهيئة بدرجة ثانية الى الاختلافات  داخل مكونات القطاع نفسه، خاصة بين الصحفيين وأصحاب المؤسسات الإعلامية حول مجال تدخل (الهايكا) وعملية الإحداث. 

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire